نورالدين لشهب
Tuesday, August 17, 2010
المغرب بلد واحد من طنجة إلى تمومبكتو.. هكذا كان تعتقد جمهرة من المجاهدين والوطنيين الشرفاء قبل زمان.. يوم كانت موريتانيا تابعة للمغرب وأجزاء من الصحراء الشرقية في ملكية المغرب قبل أن تستولي عليها الجارة الشرقية الجزائر.. يوم كان الشعب والنخبة في انسجام وتكامل تامين..فالنخبة كانت تتعرض للحبس أو المنفى أو ربما الاغتيال والشعب أيضا يتعرض للقهر والتسلط والاستغلال... فالمعاناة كانت واحدة، وكان العدو واحدا هو الاستعمار الأجنبي الجشع...وكان الهدف واحدا هو نيل الاستقلال الكامل.. اختلاف التكتيك بين أقطاب الوطنيين الشرفاء لم يكن يلغي التوحد في الإستراتيجية العامة: الاستقلال والتفرغ لبناء الوطن وفق تعدد خلاق يبدع وحدة وطنية أخوية من طنجة إلى تومبوكتو.
هكذا كانت تفكر النخبة المغربية قبل زمان بشكل عام... وهكذا كانت تفكر على وجه الخصوص شخصية كارزمية تختلط فيها الهوية الهوية المغربية المزيجة: الصحراوية-العربية والأمازيغية-الطوارقية الوطنية. شخصية من قامة الأمير محمد علي الأنصاري ... شخصية معروفة في الصحراء الكبرى ولا يعرفها إلا القليل من المغاربة.... الأمير محمد الأنصاري بن الطاهر من مواليد عام 1906 بحاضرة تومبوكتو بدولة مالي حاليا وتوفي بمدينة تمارة بالعاصمة المغربية الرباط عام 1994.
هو زعيم وطني يجهله الكثير من المغاربة بالرغم من كونه معروفا لدى النخبة، كان صديقا للأمير الخطابي حيث التقاه في مصر وأيضا صديقا للدكتور عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان وكثير من زعماء القبائل الصحراوية وأبرزهم قائد تندوف عبد الله السنهوري وسعيد خاطري ولد الجماني والقائد دحمان من كليميم إبان الاستعمار الفرنسي، كان أول من بايع الملك محمد الخامس على الطريقة الاسلامية في فرنسا وأمام الرئيس الفرنسي شارل دوكول بمناسبة استقباله لزعماء المستعمرات السابقة لفرنسا... بعد الاستقلال شغل الكثير من المناصب خارج المغرب، بحيث نصبه الملك فيصل بن عبد العزيز قائدا كما أعطاه منصب أمير في منطقة غنية بالنفط في العربية السعودية ومع ذلك رفض كل هذي المناصب لكونه له التزامات مع شعب الطوارق ويرفض الانتماء إلى أي بلد سوى المغرب الذي يعتبره بلده الأصلي وتربطه علاقة بيعة مع الملك كما عادة الطوارق بالصحراء الكبرى الذين كانوا يبايعون الملوك المغاربة اعتقادا منهم أنهم من آل البيت عليهم السلام.
حين خرجت فرنسا من أفريقيا عرضوا عليه تشكيل إمارة يكون أحد زعمائها فرفض وأكد لهم بأن تمبوكتو مغربية ولا يمكن أن يستحقها إلا المغرب، والسبب في ذلك يعود إلى ما هو تاريخي، حيث يعتقد الطوارق في تمبوكتو بأنهم مغاربة هاجروا المغرب إبان خروج المسلمين من الأندلس، ويعتقدون على المستوى السياسي بأن الولاء والطاعة لا يكون إلا لآل البيت، وأي حاكم أصلي مغربي هو من آل البيت.
في عام 1962 اندلعت ثورة "كيدال" في مالي تزعمها الطوارق ضد الحكم المركزي على عهد الرئيس موديبو كيتا، فالطوارق كانوا يطالبون بالاستقلال عن مالي والانتماء للمغرب، هذه الثورة اعتبرت من قبل مالي تمردا وجهت الاتهامات إلى الزعماء الطوارق وعلى رأسهم الأمير محمد علي الأنصاري، وفي عام 1963 اندلعت حرب الرمال بين المغرب والجزائر فتوسط الرئيس المالي لوقف الحرب وطلب من تسليم الزعماء الطوارق في كل من المغرب والجزائر، فتم تسليم الأمير محمد علي الأنصاري لدولة مالي وحكم عليه بالإعدام لم ينفذ بعد توسط الرئيس المصري جمال عبد الناصر لأن مصر آنذاك كانت لها علاقات قوية بالدول الأفريقية.، وبعد الإطاحة بالرئيس المالي موديبو كايتا خُير الزعيم الأنصاري بين أمرين : العيش في مالي كأي مواطن عاد أو اللجوء إلى دولة أخرى، ففضل العودة إلى وطنه الأصلي المغرب الذي تربطه به علاقة البيعة التي قدمها إلى محمد الخامس في فرنسا، وأن هذي البيعة لازالت جارية.
ولما عاد إلى المغرب قُدم له اعتذار رسمي، واستقطب معه بعض الأتباع الذين كانوا يؤمنون بفكره الوحدوي مع المغرب، وكان عددهم 21 نفرا، وكانت مهمتهم هي التدريب بالمغرب من أجل تنفيذ مشروعه في تمبوكتو. فقدمت له امتيازات كمكلف بمهمة بالديوان الملكي حسب صفته بجواز سفره. وبعدما أراد الجنرال أحمد الدليمي استقطاب هؤلاء الأتباع عام 1981 ليكونوا بجانبه للقيام بما كان يريد القيام به، رفض الأمير محمد علي الأنصاري كما رفض أتباعه ما كان يخطط له الجنرال الدليمي لأن هناك رابط البيعة يربطهم بالملك باعتباره واحدا من آل البيت كما يعتقد الطوارق بشكل عام في الصحراء الكبرى. وبما أن أحمد الدليمي كانت له سطوة على الأجهزة الأمنية فقد تم سحب الامتيازات التي كان يتمتع بها هذا الزعيم وبقي بالمغرب ولم يبرحه قط إلى أن توفي عام 1994 يرحمه الله.
أسرة الزعيم محمد علي الأنصاري هي الآن مشتتة ما بين المغرب وليبيا وتومبوكتو... ونجله صديقنا محمد حمادة الأنصاري لا زال على العهد كما كان والده ولم يبدل تبديلا... يعيش بالمغرب كما عاش والده يرحمه الله، ويؤمن كما آمن والده بأن الصحراء مغربية وأن أهل تومبكتو مغاربة يربطهم بالحكم المركزي بالمغرب رباط البيعة.
على سبيل الختام
الاحتفاء الرسمي بأربعينية الزعيم الراحل المحفوظ ولد علي بيبا هي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح.. مبادرة لن ينساها الرجال الشرفاء من قبيلة إزركيين وكذا الرجال الصحراويون من أبناء بلادنا الأعزاء... هي خطوة أو قل ضربة موجعة لأعداء الوحدة الوطنية... الحل هنا بالمغرب وليس خارجه... هكذا قال ذات يوم صاحب الحقيقة الضائعة !!
ممكن العودة للحوار الذي أجريناه في هسبريس مع محمد حمادة الأنصاري نجل الأمير محمد علي الأنصاري.
n.lechhab@gmail.com
mardi 17 août 2010
من طنجة إلى تومبكتو
Inscription à :
Articles (Atom)