مدينة تمبكتو في فجر القرن الثاني عشر، وعلى ضفاف البئر التي تبعد بضعة آلاف من الأقدام عن ضفة نهر النيجر، تمركزت قبيلة الطوارق. كان اسم البئر آنذاك ولا يزال تيم-بوكتو أي بئر بوكتو، نسبة إلى اسم حارسة البئر. بعد قرنين من ذلك، انقلبت الأحوال، ومن مجرد استراحة بسيطة للقبائل الرحل، أصبحت تومبوكتو مركزاً تجارياً مهماً تتدفق اليه الواح الملح من مناجم الصحارى، ومنتوجات السفانا والغابات. ومن هناك كانت تنطلق العربات الضخمة المحملة بالمواشي إلى مصر، والمحملة بالذهب والرجاب والعاج والجلد... إلى المغرب. سبب هذه الثروة بديهي. فقد قام بائعون من مدينة دجيني التي كانت تجتذب منتوجات الجنوب وتحتاج إلى نقطة لتصريف منتجاتها نحو الشمال باستعمال مجرى نهر النيجر، وصولاً إلى تومبوكتو التي جعلوها مرفأ مهماً، والنقطة الأقرب إلى الضفة المقابلة للنهر. عندما عاد الإمبراطور الكبير كنكان موسى نحو عام 1325، من حجه إلى مكة المكرمة، دفعته الذكرى المذهلة التي كان يحتفظ بها عن القاهرة والمدن التي زارها، إلى أعمار تومبوكتو، فبنى مسكناً وجامعاً وطور التجارة المزدهرة. وبدأت العصور الذهبية للمدينة المنبثقة من الرمال. وتدفقت الثروات على تومبوكتو، وولدت حضارة متقدمة فيها أصول العيش والاستقبال وفنون المحادثة والحوار في الأمسيات على الشرفات، مما دفع شعراء ذلك الوقت، إلى كتابة الشعر الغنائي فيها ومنهم السادي، كاتب "تاريخ السودان" الذي كتب في القرن السابع عشر : "مدينة جذابة، نقية، رائعة، مدينة شهيرة، مقدسة، خصبة ونشطة. هو بلدي وأغلى ما أملك في العالم". لكن الحضارة التومبوكتوية هي أيضاً العدد الضخم للطلاب الوافدين من كل بلدان العالم، والذين يتهافتون على سماع العلماء والفقهاء ورجال الدين الذي يعلمون في جامع سانكوري. وذكر المؤرخ ليون الأفريقي وجود 120 ألف طالب و180 مدرسة قرآنية في مدينة كانت تعد في أوجها، في القرن السادس عشر، 100 ألف نسمة. وقال محمود كاتي، كاتب "تاريخ الفتاش"، الذي ألفه في القرن السادس عشر: "تومبوكتو، وصلت إلى الحد النهائي من الجمال والروعة، وكانت الديانة المزدهرة فيها والتقاليد النبوية تعطي الحياة لكل شيء...". وعندما وصل رونيه كالييه إلى تومبوكتو عام 1828، كتب : "كان بإمكان عبيد تومبوكتو قراءة القرآن، حتى انهم حفظوه غيباً، فهم يعلمونه إلى أولادهم منذ نعومة أظفارهم...". عاش في تومبوكتو كتاب مشهورون مثل أحمد بابا المؤرخ الذي كان يملك آلاف الموسوعات في مكتبته. لكن الجزائريين، بعد معركة تونديبي عام 1591، وقبائل الطوارق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والاستعمار في القرن العشرين، نفخوا السالف وخملت ذاكرة الناس ومحت آثار العربات تحت الرمال وزال زهو العصور الذهبية. ماذا بقي اليوم، في تومبوكتو الغامضة، من أمجاد الماضي؟ عربة الملح للجمالين الطوارق ما زالت تنزل مرة في السنة من تاودانيك وما زال المرفأ المتصل بنهر النيجر بقناة حفرتها يد الانسان، ينزل القوارب المحملة بالبضائع الآتية من الجنوب. طبعاً لم تعد التجارة في تومبوكتو كما كانت، وتحولت الصحارى إلى بحر عدائي، وضرب الجفاف أراضى الساحل بقوة. لكن فكر تومبوكتو وإيمانها، وفخرها بكونها "الحي اللاتيني" لبلاد السودان، ما زالت تطبع بآثارها الناس والأحجار. ها هي الطرق التي مر عليها المصلون في اتجاه مسجد دجينغريبر قائمة وكذلك المسجد الذي ما زال صامداً منذ أن أنشأه كانكان موسى في القرن الرابع عشر. انه صرح واسع مبني من ألبا نكو والحجارة. أبراجه مخروطية وشرفاته الرائعة ما زالت تستقبل المؤمنين داخل صحونها الاثنتي عشرة. وفي الجهة المقابلة للمدينة، مسجد سانكوري الذي تؤكد التقاليد أن محيط أبنيته يساوي محيط الكعبة في مكة المكرمة، وهو يلقي بظله على الشرفات المحيطة. وها هو جامع سيدي يحيى المبني في نهاية القرن الخامس عشر صامد، يحميه باب قديم مصفح بالحديد. وهو من أحد أبواب الطراز الهندسي لبيوت تومبوكتو. طرق تومبوكتو نظيفة وواسعة إلى درجة تسمح بمرور ثلاثة خيالة معاً. في الداخل والخارج الكثير من الأكواخ مصنوعة من القش بشكل دائري تقريباً. (من يصدق أن هذا الوصف يعود إلى رونيه كالييه، ويعود تاريخه إلى عام 1828؟). الطرق التي كان يتجول فيها الطوارق بسيوفهم لم تتغير منذ القرن الماضي. وكذلك الأفران المصنوعة من الطين. ما زالت المنازل المبنية منذ قرون على الطراز نفسه، تؤمن استمرار الماضي. فقد أحضر كنكان موسى من حجه إلى مكة، مهندساً مسلماً من أصل إسباني فوضع أصول العمارة في هذه المدينة. واليوم صار لتومبوكتو طراز خاص بها يعطي المدينة وحدتها، بما فيها الأبنية الأكثر حداثة والمنازل التراثية القديمة والساحات الخفية الداخلية التي يتعالى فيها الصراخ والألعاب مرددة أصداء القرون الماضية.
jeudi 31 juillet 2008
مدينة تمبكتو المدينة الخالدة فى ذاكرة الطوارق
Publié par منظمة شباب الطوارق من اجل العدالة والتنمية
Libellés : ازواد الحر