لم أعد أذكر إسم الكاتب الفلسطيني الذي كتب مقالا بعنوان " أيها الفلسطيني الغبي !"، وهو مقال كتبه بمرارة عن واقع الإقتتال الداخلي بين حماس وفتح، ذلك الواقع الذي استفادت منه كثيرا إسرائيل وتعثرت بسببه المفاوضات السياسية لحلّ المعضلة الفلسطينية. وقد دفعني الصراع العبثي الذي تمّت إدارته بشكل بالغ السوء بين مناضلين ونشطاء أمازيغيين حول مكان انعقاد الكونغريس العالمي الأمازيغي إلى التفكير جديا فيما إذا لم يكن الفاعل الأمازيغي "غبيا" حقا بخوضه صراعا ينتهي إلى إضعاف موقعه في موازين القوى الداخلية والمغاربية والدولية، والآن وقد هدأت الزوابع وسكنت الأعاصير بين الإخوة الأعداء الذين سيضعون مصيرهم بين يدي القضاء، من حقنا أن نتساءل عن الحصيلة والمكاسب. هل كان ضروريا حقا بسبب الخلاف حول مكان انعقاد المؤتمر شحذ السكاكين والفؤوس وإشهار السيوف على الطريقة العربية العشائرية القديمة لتحطيم الخصوم وسحقهم ؟ هل كان أمرا لا مناص منه أن يتمّ اللجوء إلى نظرية المؤامرة بهوس يصل حدّ الهذيان واتهام المناضلين لبعضهم البعض بالعمالة للسلطة وبالتآمر بسبب الاختلاف في الرأي أو بسبب خطأ هذا الطرف أو ذلك؟ هل كان مستساغا أن يتمّ تسميم الأجواء بين الفاعلين الأمازيغيين في الوقت الذي كانوا فيه أحوج إلى التكتل في مرحلة دقيقة تحذق فيها بهويتهم مخاطر عديدة؟ وهل كان من الحكمة أن نعطي لشباب الحركة الأمازيغية مثالا سيئا كالذي عكسته البهلوانيات اللفظية والعنف الرمزي الذي تبادله مناضلون كان الأحرى بهم أن يعملوا على تأطير قواعدهم في مفاهيم الفكر الأمازيغي الديمقراطي والحيّ عوض إثارتهم بحروب صغيرة لا تعود على القضية إلا بأوخم العواقب ؟ ثم كيف استطاعت الجمعيات الأمازيغية أن تتعبأ بهذا القدر من الحنكة والحماس بسبب خلاف داخلي في الوقت الذي تركن فيه إلى الصمت أو المهادنة عندما تتطلب منها قضيتها الكبرى التحرك بقوة وإتيان ردود الأفعال المطلوبة في الوقت المناسب ؟ ألم يكن إفشال تعليم الأمازيغية من طرف وزارة التربية الوطنية والتآمر للانقلاب على مبادئ وتوجهات المنهاج من طرف المجلس الأعلى للتعليم راعي نظرية الاستئناس الشهيرة، وتجميد مشروع القناة الأمازيغية، والإستمرار في منع الأسماء الأمازيغية من طرف وزارة الداخلية وإقدام ورثة علال الفاسي بكل وقاحة على اقتراح التعريب المطلق للحياة العامة على البرلمان لإجهاض كل مكاسبنا الهشّة، ألم تكن كلّ هذه الوقائع الخطيرة بالأهمية التي تجعلها تستحق من النشطاء الأمازيغيين أن يتحركوا بقوة عوض أن يستنفذوا كل طاقاتهم في نهش بعضهم بعضا؟ متى كانت المنظمة الدولية للأمازيغ، التي لم تجد حتى الآن الإيقاع الملائم للعمل، تحظى بالأولوية على مطالبنا المصيرية التي لا تنفصل عن الكفاح اليومي من أجل بناء الديمقراطية ودولة الحق والقانون؟ ما قيمة أن نكسب الكونغريس العالمي إذا كنا سنخسر ذواتنا في وطننا؟
إنها مجرد أسئلة من ملاحظ آلمه أشد الإيلام أن يرى من استنفرهم للتكتل وتقوية جبهة العمل المشترك يزدادون فُرقة و تشرذما، وهو ما يعني أنّ على الأمازيغ أن يبذلوا مزيدا من الجهود للتفكير في طريقة التصريف الإيجابي للخلافات عبر تحويلها إلى دينامية ميدانية عمادها التنافس الشريف والتقاسم العقلاني للأدوار وأساليب العمل والتوحد الإستراتيجي في الأهداف.
الدكتور: احمد عصيد