أجرت الجزيرة نت حوارا مع الكاتب الصحفي والمدير السابق للإعلام وللتلفزة بالنيجر السيد عبد الله حامد ذي الأصول الطارقية، من أجل تسليط الضوء على أبعاد المشكل الطارقي بدول أفريقيا الغربية وخاصة النيجر ومالي.
في البداية من هو الطارقي وكيف تعرفونه للقراء؟
عبد الله: يبدو أن من تسمونه أنتم "الطارقي" لم يطلق على نفسه يوما هذا الاسم. إن هي إلا أسماء سمتها الشعوب المجاورة للشعب الأمازيغي. فبعض هذه الأسماء ظل متداولا كتسمية "البربر" التي أطلقها الرومان قديما على الأمازيغ، وكتسمية الطوارق التي جاءت من عند العرب. ودخلت هذه التسمية الأخيرة مجال التداول في اللغة الفرنسية منذ القرن الثامن عشر الميلادي.
أما الاسم الحقيقي لهذه الإثنية فهو إماجق أو كل تماشق، ولهم لغة هي التيفيناغ حافظوا عليها منذ أزيد من 3500 عام. وحروف التيفيناغ ما زالت شاهدة في جبال وكهوف ومغارات "تيسيليت ناجير" و"الهوغار" و"آدغاغ أيفوغاس" ومرتفعات "الأيير"، وكلها شواهد على وجود الإنسان الأمازيغي بهذه الصحاري منذ غابر الدهور بل منذ العصر الحجري.
وهنالك إشارات لسانية تدل على وجود الشعب الأمازيغي ببلاد كنعان (بين فلسطين وسوريا) ويعود ذلك إلى عهد نبي الله صالح عليه السلام المبعوث إلى قوم ثمود. فهذا هو الأمازيغي عموما والذي يشكل ما تسمونه أنتم الطارقي جزءا من لحمته.
هل صحيح أنكم تعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في النيجر؟
عبد الله: لا شك أن شعب التماشق يوجد في عدة دول مثل مالي والنيجر والجزائر وموريتانيا وليبيا وبوكينا فاسو وتونس. وأغلبية هذه الدول لا يمكن وصفها على الإطلاق بأنها تسعى إلى ترقية هذه الطائفة ومن باب أحرى الاعتناء بلغتها. وبعض هذه الدول ولأسباب متنوعة تكمم أفواه الطوارق وذلك منذ عدة عقود.
في تسعينيات القرن الماضي كنتم في حرب عصابات ثم وقعتم على اتفاقية سلام، فهل غيرتم وسائلكم من أجل إحقاق حقوقكم؟
عبد الله: يلاحظ أنه منذ توقيع اتفاقيات السلام 1994 مع النيجر ومالي هنالك هدوء على الجبهات العسكرية التي كانت تعرف اشتعالا. وقد اندمج العديد من الأمازيغ في صفوف الجيوش المحلية وفي صفوف قوات الأمن. وقد تم دمج 3520 مقاتلا أمازيغيا في صفوف الجيش. وقد قبل صندوق الأمم المتحدة للتنمية وكذلك التعاون الفرنسي تمويل هذا الدمج.
ما حصيلة تمردكم؟ وهل تعرضتم لإبادة عرقية كما أشيع إعلاميا؟
عبد الله: إن الأمازيغ في المغرب وفي ليبيا وبشكل أخص في الجزائر طالبوا بالاعتراف بحقوقهم منذ وقت طويل وبنوع من التصميم. طالبوا بحقوقهم كمجموعة لها خصوصيتها ولها لغتها الخاصة التي هي الأمازيغية والتي ينبغي أن تدرس في المناهج التعليمية.
أما أمازيغ النيجر ومالي فقد طالبوا والسلاح بيدهم بأشياء عديدة وليست كلها متشابهة.
-
كان المطلب الأول هو إيجاد نوع من الاستقلال الذاتي التام على منطقة ما.
-
ثم طالبوا بعد ذلك باستقلال ذاتي لبعض الجيوب أو بعض المناطق.
-
ثم طالبوا بفدرالية.
-
وأخيرا طالبوا بلامركزية موسعة تسمح لأبناء كل إقليم بتسيير شؤونهم الخاصة بأنفسهم.
وهل لكم مطالب الآن؟
عبد الله: لقد تطورت مفاوضاتنا مع النيجر ومالي وكانت رعاية بعض الدول المعنية مثل الجزائر، كما قد كانت فرنسا راعية هي الأخرى للمفاوضات. واللامركزية الموسعة التي تم الاتفاق عليها بين الطوارق من جهة وبين دولتي النيجر ومالي من جهة أخرى بدأت تؤتي ثمارها على أرض الواقع. فالكثير من متمردي الأمازيغ وضعوا السلاح واندمجوا في الجيش أو الأمن بهاتين الدولتين.
ثم إن بعض سكان مناطق الأمازيغ صاروا يسيرون شؤونهم بأنفسهم. فهنالك الآن 34 بلدية ما بين النيجر ومالي عمدها مواطنون محليون ومن بينها 32 بلدية بدأت في برامج تنموية محلية لصالح السكان.
ما هي علاقة الطوارق بليبيا؟
عبد الله: شكلت ليبيا منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي مهجرا لشعوب أمازيغية جاءت من مالي والنيجر وموريتانيا. وقد كانت ليبيا في ذلك التاريخ نقطة جذب اقتصادي للعمالة الوافدة وذلك قبل أن تتعرض لحصار اقتصادي من طرف الدول الغربية.
ومنذ الثمانينيات صارت ليبيا –فيما يبدو- ملتقى بشريا "يصنع" من يريد أن يكون مناضلا وسيدا في بلده. ولم يكن الأمازيغ هم وحدهم من استفاد من هذه الوضعية بل إن هنالك أجناسا وعرقيات عديدة وردت هذا المشرب ونهلت منه.
وما هي علاقتكم بفرنسا؟
عبد الله: لا أعلم أي علاقة من أي نوع كانت بيننا وبين فرنسا.
هل تنسقون بعض الأمور مع المؤتمر العالمي الأمازيغي؟ وهل أنتم عضو فيه؟
عبد الله: العديد من أمازيغ النيجر وأمازيغ مالي أعضاء في هذا التنظيم العام الذي يلم العديد من المهتمين بالشأن الأمازيغي من آفاق شتى ومن دول متعددة. وأنا شخصيا لي علاقات بهذه المؤسسة وأقدم لهم في بعض الأحيان استشارات.
هل من كلمة عن مستقبل الطوارق؟
عبد الله: بالنسبة لمستقبل الطوارق لا يبدو لي أن هنالك مستقبلا واحدا أو على الأقل مستقبلا جامعا للطوارق، فلا أرى لهم مستقبلا موحدا تم الإعداد له والتخطيط لملامحه.
إن الأمازيغ كالعرب في هذا القرن الواحد والعشرين قد كتب عليهم أن يناموا وأعينهم مفتوحة، كما كتب عليهم أن يتركوا مصائرهم للقدر. فهؤلاء وأولئك وبدون استثناء أمام مستقبل سيصنعه لهم الآخرون، تماما كما وقع للعالم العربي منذ القرن التاسع عشر. فمنذ ذلك التاريخ انفرط عقد العرب والأمازيغ وصاروا -في أحسن الأحوال- كيانات مبعثرة روابطها البينية ضعيفة ومراقبة بشكل دائم من الخارج.