أعلن المئات من مقاتلي الطوارق في شمال مالي إلقاء أسلحتهم والمشاركة في عملية السلام بهذا البلد، عشية اجتماع لمسؤولين عن ست دول في باماكو لبحث قضايا التنمية ومخاطر الإرهاب في منطقة الساحل جنوب الصحراء.
وجاءت خطوة تخلي مقاتلي الطوارق عن العمل المسلح، خلال احتفال نظم مساء أول من أمس، في مطار كيدال (شمال غرب) بحضور ممثلين عن سلطات مالي والمقاتلين، إضافة الى الوسطاء الجزائريين. واعتبرت الخطوة بمثابة مرحلة مهمة نحو اقامة «سلام دائم» في شمال البلاد. وجمع نحو 500 من المقاتلين أسلحتهم، على مدرج مطار مدينة كيدال عاصمة المنطقة التي يعيش فيها القسم الاكبر من الطوارق في البلاد، وكانت الاسلحة التي سلمت مكونة من قذائف صاروخية وقنابل يدوية ورشاشات كلاشينكوف.
وينتسب المتمردون الذين سلموا سلاحهم الى التحالف من اجل الديمقراطية والتغيير (المؤيد لاتفاق السلام الموقع في الجزائرعام 2006)، اضافة الى عناصر من الطوارق انشقوا عن ابراهيم آغ باهانغا الذي يتزعم فصيلا للمتمردين الطوارق.
واستقل المتمردون السابقون من الطوارق نحو مائة شاحنة صغيرة وتوجهوا من المطار الى مدينة كيدال. وارتدى بعضهم الزي العسكري في حين كان الباقون بالزي المدني. وتوجهت القافلة التي اقلتهم الى بيت للشبيبة حيث سيتمركز قسم منهم، وحيث سيتواصل الاحتفال بإلقائهم السلاح. وكما ورد في الاتفاق بين الفريقين، دخل القسم الاكبر من المتمردين السابقين المدينة من دون سلاح. ووحدهم الذين تقرر انضمامهم الى الوحدات الخاصة في الجيش النظامي دخلوا المدينة بسلاحهم.
وتجمع سكان المدينة حول الطريق التي دخلت منها قافلة الطوارق وهم يطلقون هتافات تشيد بالسلام. وقال المتحدث باسم التحالف من اجل الديمقراطية والتغيير آمادا آغ بيبي: «نحن ملتزمون تماما باتفاق السلام، ولهذا نحن هنا اليوم في كيدال».
من جهته، قال وزير الادارة المحلية الجنرال كافوغونا كوني انه «يشكر باسم مالي الجزائر التي بذلت كل الجهود الممكنة منذ عام 2006 (تاريخ التوقيع على اتفاق السلام في الجزائر) لمواكبة مالي نحو السلام. هذا الاحتفال مهم جدا لبلادنا، التي عليها ان تواجه اليوم حربا واحدة هي الحرب على التخلف».
ومن جهته، قال سفير الجزائر بمالي عبد الكريم غريَب، إن الوساطة الجزائرية في الأزمة تسعى لإدماج عدد كبير من مسلحي الطوارق في الجيش النظامي. وقال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إن 500 من مقاتلي الطوارق بعضهم ينتمي إلى «التحالف الديمقراطي من أجل التغيير في شمال مالي»، عادوا إلى منطقتهم بكيدال ووضعوا أسلحتهم بين أيدي الجيش وأعلنوا انخراطهم في مسار السلام. وأوضح أن القوات الخاصة بقيادة 130 ضابطا سابقا في الجيش، يتحدرون من مناطق الطوراق، تعهدوا أيضا بعدم حمل السلاح من جديد، وقد عادوا هم أيضا إلى الشمال. وقال إن الجماعة المحسوبة على زعيم «التحالف» ابراهيم آغ باهنغا قررت وضع السلاح. وكان باهنغا وراء الهجمات الأخيرة ضد دوريات الجيش بالقرب من باماكو وعلى تخوم الحدود الجزائرية المالية.
ولدى سؤاله عن ما إذا كان هذا يعني انتهاء الأزمة نهائياً، قال غريب: «لا يمكن الجزم بأننا عالجنا المشكل من جذوره، لكن الأكيد اننا أعدنا الأوضاع إلى نصابها، ورهان الوساطة الآن هو بعث الثقة لدى الطرفين حتى يمكنهما التفاوض مستقبلا بدون أن يتخوف أحدهما من الآخر»، مشيرا إلى أن الوساطة ستدعو الطرفين قريبا إلى مواصلة تطبيق اتفاق السلام المتعثر منذ التوقيع عليه، بسبب عدم تقيد المعارضة المسلحة ببند وقف الاعتداءات على الجيش، وعدم احترام حكومة أمادو توماني توري تعهداتها بخصوص إزالة الفوارق الاقتصادية بين المناطق التي يسكنها الطوارق، والمناطق التي تقيم بها الغالبية الزنجية.
وفي سياق متصل، يرتقب أن يلتقي قادة دول الساحل الافريقي باستثناء موريتانيا (مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد إضافة إلى الجزائر وليبيا)، غدا بباماكو لبحث قضايا الأمن والتنمية في منطقة الساحل جنوب الصحراء. وفيما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مقرب من وزارة الخارجية المالية قوله إن «جميع الدول تقريبا» بدون ان يسميها، ستمثل برئيسها، أوضح دبلوماسي افريقي مقيم بالجزائر لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاء قد يتأجل إلى فترة لاحقة «بسبب زحمة أجندة بعض القادة الذين يتمسكون بالمشاركة في اللقاء»، دون الكشف عن أسمائهم. وتم تأجيل القمة عدة مرات لنفس الأسباب التي ذكرها الدبلوماسي الذي أكد أن الاجتماع مقتصر على حضور المسؤولين السياسيين، وقادة أجهزة الأمن بالبلدان المعنية مباشرة بالملفات المطروحة للمناقشة. ومن المقرر أن يتناول الاجتماع، مخاطر الإرهاب التي يشكلها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بالمنطقة، وعجز بعض الحكومات عن السيطرة على مناطق شاسعة في الصحراء. ويبحث أيضا حركات التمرد التي تعيشها بعض الدول مثل مالي والنيجر.