jeudi 21 août 2008

أنقذوا "الطوارق" قبل فوات الأوان


شهدت ثورة الطوارق الثانية في التسعينات أكبر قمع دموي، وأكبر تصفية عرقية لهذا الشعب منذ وطئت قدمه الصحراء الكبرى الإفريقية قبل آلاف السنين.

وقد تمت تلك التصفية في ظل تكتم إعلامي على أكبر جريمة إنسانية شهدها السكان العزل.. لم تكن تقل البتة عن مجازر رواندا. هذه الجرائم التي بدأت بقيادة جيش مالي، وبتواطؤ كبير من بعض الجيران، لم يسجلها سوى عدد قليل من الصحفيين.
كما لم يتابعها في الصحافة الناطقة بالعربية إلا نذر يسير. ولم تكن وسائل الإعلام الأخرى (الفضائيات والانترنت) قد دخلا حيز الاستخدام في عالمنا العربي حينها. فذهبت تلك الأحداث الدامية تحت جنح الظلام دون أن يعرف عنها شيئا.
اليوم وفي تاريخ (23 مايو) الجاري أعلن الطوارق ثورتهم مجددا، لأن المطالب التي تم توقيع اتفاقيات السلام عليها لم ينفذ منها شئ، سوى محاولة رشوة قادة الثورة ببعض المناصب الحكومية، وبعض العلاوات، أما الشعب الذي أقيمت الثورة الأولى من أجله، فلم تزده الأيام إلا هلاكا.. شتاتا.
الثورة الجديدة، كنت قد حذرت منها قبل عام تقريبا، في كتابي عن الطوارق (الرجال الزرق)، الذي أردت من خلاله تنبيه الإعلاميين العرب على وجه الخصوص، والمجتمع الدولي، على خطورة ما يدور في تلك المنطقة، لكن حسب تقاليدنا العربية لا يكفي أن نسمع باندلاع ثورة كي نلتفت إليها، ولن تلتفت أعناقنا لأي حدث، قبل أن نطمئن بأنه محط اهتمامي أمريكي أو إسرائيلي، حينها فقط نعرف أن من "البرستيج" ومن اللياقة علينا كوسائل إعلام عربية أن ننظر إلى هذا الحدث حتى لا يعاب علينا النوم. وإذا فنحن كإعلاميين في حل من أمرنا تجاه الطوارق ومأساتهم، إلى حين يأذن لنا الإعلام العربي "القائد" لمسيرتنا الإعلامية.
تابعت بالأمس شتى وسائل الإعلام العالمية أملا في معرفة ما يدور، بعد إعلان الطوارق لثورة جديدة، نتمنى حتى اللحظة أن تبذل حكومات المنطقة جهودها لإخمادها بوفاق يرضاه الجميع.
وباستثاء وكالة الأنباء الفرنسية، وكذا وكالة رويترز فإن أحدا لم ينتبه للخبر الذي لا يعني شيئا لوسائل الإعلام العربية. وعلى استحياء في شريطها الإخباري ذكرت إحدى أهم القنوات الإخبارية العربية أن "متمردين من الطوارق استولوا على قاعدتين عسكريتين". مما يوحي أن مجموعة من الشبان الطائشين استولوا على قاعدتين تافهتين في الشمال.
لكن الواقع أن ثوار الطوارق استولوا على منطقة الشمال كلها ولا زالوا حتى كتابة هذه السطور مسيطرين على 3 قواعد عسكرية تمثل كلها الوجود العسكري للجيش المالي في شمال منطقة الطوارق.
ماذا حدث قبل أكثر من عقد؟ ذات التمرد هو ما حصل، ذات الطريقة المتمثلة في الاستيلاء على قواعد عسكرية هي ما قام به الطوارق. والنتيجة أن الجيش المالي تحرك حينها لقمع "التمرد"، لكنه لم يجد المسلحين الطوارق الذين تخصصوا في حروب الصحارى، حينها اتجهت الدبابات العسكرية في مالي إلى السكان العزل من الطوارق باعتبار أن أبناءهم هم من يقود الثورة، وحينها أنزل أصحاب الكومندوس الماليين جام غضبهم على الشيوخ والنساء في تمبتكو وغاوا وليرا وكل مدن وقرى الشمال. وأبادوا أحياء كاملة، ولم تسجل الأحداث قط مواجهة واحدة بين الجيش المالي وبين الثوار الطوارق الذين يتحاشى الالتحام العسكري معهم.
ذلك هو ما تم في ذلك الوقت بدءا من عام 1991 – 1994 وهي أحداث غاب عنها العالم بأجمعه، وتجاهلها، تحت مبرر قمع التمرد!
مطالب الطوارق التي تم توقيع اتفاقيات السلام من أجلها في التسعينات لم يلب منها شئ، وهي ذاتها المطالب التي رفعا الثوار منذ منتصف فبراير الماضي. وهي اعتبارهم مواطنين وأصحاب حقوق في صحرائهم التي تمثل مساحتها ثلثي دولة مالي التي ورثوها عن الاستعمار الفرنسي، وفوجئت أن خارطة جديدة تضم منحة فرنسية هي عبارة سلطنة العرب والطوارق في إقليم أزواد، والتي فصلها الاستعمار عن بقية السلطنات في المنطة ليتحول الطوارق إلى "أكراد إفريقيا".
الطريف أن الرئيس المالي الحالي "امادو توماني توري" كان رئيسا انتقاليا في ذلك الوقت، وكان رئيس الجيش المالي الذي أباد الطوارق، لكنه الآن يلبس قبعة "الديمقراطية" التي جلبها إلى مالي!
كما أن الرئيس الذي تلاه واستمرت المجازر في عهده، هو الرئيس الحالي للمفوضية الإفريقية "ألفا عمر كوناري" .
ما يحدث الآن أثناء كتابة هذه السطور أن كتائب الجيش المالي بدأت في التحرك لقمع الثورة الغير دموية حتى الآن بالرشاشات والبنادق. وهو ما يوقف الدم في العروق من أن تتوجه تلك الكتائب إذا ما انهزمت أمام الثوار إلى المدن التي قد يتحصن فيها المقاتلين لإبادتها وإبادة السكان كما تم في السابق.
الآن باعتقادي أن الدول المطلة على الصحراء وعلى الخصوص ليبيا فقط من يمكنها لعب دور فاعل للحؤول دون وقوع مجازر ضد الطوارق. ومحاولة البحث عن حلول سياسية وواقعية.
وكذا الدول العربية الأخرى ذات العلاقات الوطيدة مع مالي.. لكن يبقى الدور الإعلامي العربي الذي لا يجيد إلا دور المتلقي في تنبيه العرب إلى مأساة هذا الشعب الذي لا يبحث إلا عن العيش بسلام.

 

blogger templates | Make Money Online