دخلت قضية الصحراء المغربية ضمن لائحة المشاكل العويصة والمعقدة التي تواجه الأمم المتحدة، فقد عرف مخطط التسوية الأممي عدة تأجيلات فيما يخص تنظيم الاستفتاء فرضها البطء في عملية تحديد الهوية والناتج عن مجموعة من العراقيل حتى أن نسبة تحقيق خيار الأمين العام المتعلق بانسحاب البعثة الأممية تزداد يوما بعد يوم. وقد أدرك جميع المتتبعين أن إجراء الاستفتاء لحل مشكل الصحراء الذي تجاوز ربع قرن، ويعد من النزاعات القليلة التي بقيت عالقة منذ الحرب الباردة، لم يعد فقط من الصعوبة بمكان، بل أصبح مستحيلا وهذا ما استوعبته الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية. ورغبة منه في إنهاء هذا المشكل وإيجاد حل دائم ونهائي يراعي سيادته ووحدة أراضيه وخصوصيات المنطقة وفقا لمبادىء الديموقراطية واللامركزية التي يرغب في تطويرها، أعرب المغرب عن تأييده لمشروع اتفاق الإطار بشأن وضع الصحراء المغربية الذي يتصور تفويضا للسلطة إلى سكان الإقليم، باعتباره حلا سياسيا توافقيا وعادلا لمشكل الصحراء. وقد حدد المغرب موقفه في ضوء معنى الحل السياسي الذي يقدم دائما على أنه حل وسط يتمثل في الحكم الذاتي ضمن إطار السيادة المغربية، وبالتالي ينتظر أن يسير السكان شؤونهم المحلية الخاصة مع الضمانات الكافية وبدون إخلال بالإمتيازات السيادية للمملكة المغربية وسيادتها الإقليمية. إن الحل السياسي التوافقي العادل والنهائي لنزاع الصحراء يقوم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وأن المنتصر لا يأخذ كل شيء وأن الخاسر لا يخسر كل شيء.وأهمية هذا الحل تتجلى فيما يلي: • أن هذا الحل يشكل إمكانية واقعية جادة لتفويض اختصاصات لكل سكان المنطقة في الإطار الضروري للسيادة والوحدة الترابية للمغرب . • من شأن هذا الحل تجنيب تحول المنطقة إلى فضاء للتوتر وتأهيلها ليس فقط لتحقيق اندماج الإتحاد المغاربي، وإنما أيضا تمكين هذا الإتحاد من النهوض بدوره على الوجه الأكمل في محيطه المتوسطي، وعلاقاته مع دول الساحل الإفريقي لتحصين منطقة الشمال الإفريقي برمتها من مخاطر البلقنة والإرهاب الدولي. • أن هذا الحل هو السبيل الوحيد الذي يسمح بالخروج من النفق الذي وضعته جملة من الأخطاء التاريخية التي استغلتها الجزائر لدعم النزعة الانفصالية التي تشخصت في حركة البوليساريو، كما يبدو هذا الحل هو بمثابة إنقاذ للأطراف التي خندقت نفسها في نفق لا مخرج منه سوى باللجوء إلى تطبيق حل آخر بعيد كل البعد عن الأطروحة الإنفصالية، إنه الحل الذي يصون الحقوق الثابتة ويحفظ الخصوصيات ويفتح آفاقا رحبة للبناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتساكن المبني على التضامن الوطني. إن الحكم الذاتي المتفق عليه بين الطرفان والأمم المتحدة من شأنه أن ينهي مسألة تحديد المصير ويعزز الاستقرار الإقليمي لدول المنطقة،فما هو المقصود بالحكم الذاتي؟ و ماهي أصوله النظرية؟ وهل الحكم الذاتي يبقى قاصرا على منطقة الصحراء؟ أم أن الجهوية هي السبيل الأقوم لإنهاء هذا النزاع الذي طال أمده؟هذه بعض الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها ضمن هذه الدراسة. أولا: الأصول النظرية لمفهوم الحكم الذاتي: يعتبر الحكم الذاتي ذو تاريخ طويل في الفكر الإنساني والفلسفي والقانوني، هذا الأمر أكسبه شيئا من الغموض والتعقيد نتيجة للمعاني والأدوار التاريخية التي مر بها، وللازدواج في مدلولها بين الجانب السياسي والجانب القانوني. إن مفهوم الحكم الذاتي يثير الخلاف ويستعصي بشأنه الاتفاق، فهو غامض ومتشعب ويتضمن قدرا كبيرا من المرونة، تقترب أحيانا من الإدارة والقانون،أي يمكن أن يكون حكما ذاتيا إداريا باعتباره أحد أشكال اللامركزية الإدارية، ويقترب أحيانا أخرى من السياسة،وفي بعض التطبيقات قد يجمع بين الطابع الإداري والقانوني والطابع السياسي في آن واحد. 1- مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي العام: يمكن القول أن الحكم الذاتي في إطار القانون الدولي العام يعني"صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها، وقد يطلق عليه أيضا الحكم الذاتي الدوليInternational Autonomie وهو ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها، أوعن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم مع الدول الأعضاء القامة بإدارة الأقاليم الخاضعة لها، فإن هناك علاقات توصف من الوجهة القانونية بأنها دولية، وتخضع لقواعد القانون الدولي العام،فهو نموذج للعلاقات الدولية. وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي في البروز عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة نظام المركزية في إدارة شؤون مستعمراتها، ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك ، بمعنى آخر بقاء المستعمرات في حالة تبعية، ولكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي. * الحكم الذاتي في المواثيق الدولية: انتقل الحكم الذاتي من نطاقه الضيق باعتباره مسألة داخلية تنظم عن طريق قانون صادر من الهيئة التشريعية للدولة الاستعمارية،إلى نطاق القانون الدولي العام، فأصبح مسؤولية من مسؤوليات المجتمع الدولي، ممثلا في الدول الاستعمارية القائمة على إدارة هذه الأقاليم، وفي المنظمات الدولية(عصبة الأمم- الأمم المتحدة) التي تتلقى التقارير السنوية عن أوضاع هذه الأقاليم وراقب مدى تطورها وتقدمها نحو الإستقلال، وبهذا التطور خرج الحكم الذاتي في ظل السياسة الدولية من كونه علاقة تنشأ بين الدول المستعمرة والأقاليم المستعمرة إلى نطاق الشرعية الدولية، وترتب على ذلك اعتبار كل انتهاك للمبادىء والقواعد التي تقررت بشأن هذا المفهوم، انتهاكا للميثاق نفسه، وأي مخالفات للالتزامات المحددة التي يفرضها الميثاق على الدول الاستعمارية التي تدير الأقاليم المستعمرة مخالفة لأحكامه تستتبع تطبيق ما يرتبه من جزاءات وفق قواعد القانون الدولي العام. هذا وقد ارتبط الحكم الذاتي في القانون الدولي العام بالعديد من المفاهيم والمبادئ السامية أبرزها حق تقرير المصير والاستقلال الوطني، غير أنه استخدم في الواقع كفكرة سياسية وصيغة للحكم لا لصالح الشعوب المستضعفة التي تقرر من أجلها الحكم الذاتي، بل استخدم كوسيلة لتحديد العلاقة بينها وبين مستعمراتها. وقد جرى تضمين مفهوم الحكم الذاتي في ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي في 14 غشت 1941 تحت مسمىself governement ،أي الحكومة الذاتية، وأشارت إليه الوثائق الأولى للأمم المتحدة، وهو إعلان الأول من يناير1942 ،وكذلك في المسودة التي قامت بإعدادها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في عام 1943 ، والخاصة بالأقاليم غير المحكومة ذاتيا وأيضا مسودة دستور وميثاق الأمم المتحدة التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية في يوليوز 1943. وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة وفي المادتين 73 و76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين:أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي. غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الإستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة، سواء أكان في مناقشات مؤتمر سان فرانسيسكو،أو في مناقشات اللجان الفرعية فيما بعد، على الرغم من اعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة "الحكم الذاتي" إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، وفي مقابل ذلك رأوا ضرورة النص على الاستقلال السياسي الكامل، كهدف للدول التي لم تكن تمتع بالاستقلال آنذاك. وهكذا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل لجنة في عام 1946 عرفت فيما بعد بلجنة الإعلام عن الأقاليم غير المحكومة ذاتياnon-self governing territories وشغل تعريف هذه الأقاليم حيزا كبيرا من المناقشات، وذلك في ضوء المادتين73 و76 من الميثاق وشارك في هذه المناقشات دول عديدة،في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومصر، والهند والفلبين وغيرها. وأفضت هذه المناقشات إلى تبني عدد من المعايير العامة التي لا بد من توافرها في الإقليم، حتى يمكن انطباق صفة الحكم الذاتي عليه وهي:1 – ضرورة وفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديموقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان.2-سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب.3-سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم،كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة،أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها. إن الإعلان الخاص بالأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي اعتبر بمثابة إعلان حقوق لشعوب المستعمرات، ورغم أن هذا الإعلان لم يحدد موقفا واضحا وقاطعا من المسألة الاستعمارية، ولم ينص صراحة على حق شعوب المستعمرات في الاستقلال أو الحكم الذاتي فإن إدراجه في الميثاق شكل نقطة الانطلاق الرئيسية لعمل منهجي ومنظم قامت به الدول المناهضة للاستعمار في الجمعية العامة للقضاء على الظاهرة الاستعمارية تماما. 2- مفهوم الحكم الذاتي في القانون العام الداخلي : قام مشرعو القانون الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات متباينة، بمحاولات للتخفيف من الطابع الاستعماري لمفهوم الحكم الذاتي، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ حق تقرير المصير القومي، وقاموا بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساسا لحل المسألة القومية ومشكلة عدم التكامل، ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والصين والعراق. كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول متعددة القوميات اقتنعت بأن الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقا من هذا التصور للحكم الذاتي، اتجهت هذه المجموعات إلى تبني هذا النظام دون رفع شعار الطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، ولقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامل الوطني إلى النص صراحة على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها. ويقصد بالحكم الذاتي الداخلي Autonomie interne نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قوميا أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. إن الحكم الذاتي الداخلي هو نظام خاص تلجأ إليه السلطة السياسية في الدول التي لها مشاكل التعدد القومي والعرقي، فهو نظام لا يرتقي إلى درجة الفدرالية ولا يهبط إلى مستوى اللامركزية الإقليمية، فهو صيغة للحكم والإدارة. ومن أهم الأسباب التي تدعو الدولة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي الداخلي، هو وجود مخاطر وتهديدات مستمرة على حدودها الدولية،إذ يساير الفقهاء نفس الاتجاه وذلك حينما يؤكدون أن أساس الفكرة التي تدفع دولة معينة إلى الأخذ بنظام الحكم الذاتي يهف إلى درجة التوفيق بين الميول الوحدوية والتيارات الاستقلالية داخل الجماعات القومية والعرقية صاحبة الشأن. وعلى صعيد آخر نجد الاستقلال الذاتي الثقافي، cultural autonomy والاستقلال الذاتي الديني religious autonomy وكل منهما يمثل بعدا من تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي، كما هو واضح من المعنى المباشر، فالأول ينصرف إلى تعليم اللغة الخاصة بالإقليم، وتطوير ثقافته، والثاني يكفل لجماعة معينة، في منطقة ما مباشرة حريات المعتقد والممارسة الدينية، وهكذا فهذه المفاهيم، وإن كانت مستويات في تحديد مضمونه،فهي في الوقت عينه تختلف وتفترق عنه، طبقا لطبيعة المشكلات القائمة والتي ينبغي معالجتها. من ناحية أخرى هناك بعض المفاهيم التي تختلف كثيرا عن مفهوم الحكم الذاتي، بل إن مضامينها تتعارض معه، كمفاهيم السيادة والاستقلال وحق تقرير المصير، فمن ناحية يعتبر مفهوم الحكم الذاتي نسبيا، أي ترد عليه قيود، ويحدد له سقف قانوني وسياسي من قبل السلطة صاحبة السيادة (الدولة) عندما يتعلق الأمر بإقليم، أو منطقة تريد الحصول على إدارة شؤونها بنفسها، بينما سيادة الدولة مطلقة، ومن ناحية أخرى، فإن مفهوم الحكم الذاتي لا يشمل تلك الصلاحيات الكاملة التي يشملها مفهوما الاستقلال والسيادة، وكلاهما يرتبطان بالدولة التي تمتلك القدرة على التنظيم الذاتي كجهاز سيطرة وردع بينما لا تمتلك الوحدة الإقليمية المتمتعة بالحكم الذاتي قدرة على الاستقلال. مشكلات الحكم الذاتي في التطبيق: *مشكلة الشخصية الدولية: إن الدولة كوحدة للقانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، مع مراعاة ما يرافق ذلك من حقوق والتزامات، فهي تتمتع بالسيادة على إقليمها، وتشارك في الأنشطة التي تهم الجماعة الدولية ككل، ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية. غير أن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و بورتوريكو وغرينلاند ، لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي، الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع.فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية. وفي غرينلاند تقوم حكومة الدانمرك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة غرينلاند عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي، أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر،إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتيا بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية،، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية. والنتيجة المترتبة على ذلك، أن وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعا للقانون الدولي وإنما موضوعا للقانون الداخلي وشخصا له. *مشكلة توزيع الصلاحيات: تتوسط هذه المشكلة كافة نظم الحكم الذاتي، وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين الأقاليم المحكومة ذاتيا، وبين السلطة المركزية، وهناك ثلاثة طرق لتوزيع هذه الصلاحيات، هي: أولا، تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين الوحدات الذاتية والسلطة المركزية، وتتمثل عيوب هذا الحل في وجود فجوات في الممارسة، نظرا إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلا عن أنه نظري أكثر منه عملي، ثانيا،الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا،ثالثا، الاكتفاء بتعيين الصلاحيات والمجالات التي تقتصر على الدولة والسلطة المركزية ذات السيادة. * المسائل الأمنية: تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة، وطبقا لذلك فأن معظم الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية. وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك فإن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما هو الحال في جزيرة غرينلاند وفي إقليم الباسك. * السياسة الاقتصادية والمالية العامة: تمثل وحدات الحكم الذاتي ، بدرجات متفاوتة، جزءا من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المنازعة في تقرير السياسة المالية، وسك النقود، وتحديد معدلات الصرف، والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب،كذلك في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية ومع ذلك، فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك. وخلاصة القول،أن الحكم الذاتي- سواء كان دوليا أو داخليا- له طبيعة خاصة من المرونة وعدم الاستقرار، فهو لا يأخذ شكلا صالحا للتطبيق في أي من الدول على اختلاف ظروفها وأوضاعها. كما يكون للقواعد القانونية التي تنظم الحكم الذاتي دور هام في تحديد مساره، ومما يؤكد ذلك، أن مفهوم الحكم الذاتي في نطاق العلاقات الدولية والسياسة انقلب من علاقة داخلية بحثة بين الدول الاستعمارية ومستعمراتها إلى علاقة دولية، فهو تحول من وسيلة استعمارية غير مرغوب فيها إلى فكرة قانونية مشروعة وجد النص عليها في العديد من الوثائق والاتفاقيات الدولية. وفي نطاق القانون العام الداخلي، لم يأخذ وضعا ثابتا رغم تطبيقات عديدة له. ثانيا: الاستقلال الذاتي كحل سياسي توافقي ونهائي لنزاع الصحراء: لقد شهدت قضية الصحراء المغربية منذ تصفية الاستعمار الاسباني، بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية بتاريخ 14 نونبر 1976 ، عدة تطورات متسارعة، كشفت عن حقيقة وجوهر النزاع وأبعاده، أصبحت معه بالفعل مستعصية الحل. وعرفت المراحل الماضية محاولات عديدة استهدفت كلها معالجة هذه المشكلة ضمن تطور خاص ولتحقيق أهداف سياسية وإقليمية واستراتيجية متباينة، لكن الواقع الملموس قد بين فشل تلك المحاولات لسبب بسيط غير أنه وجيه من الناحية السياسية هو أن الأفق السياسي والتطور الاستراتيجي الذي تحكم في تلك المحاولات لم يأخذ بعين الاعتبار قضية الصحراء في شموليتها وفي أبعادها السياسية والانسانية والقومية ضمن نظرة للمستقبل الوحدوي لمنطقة المغرب العربي الكبير. إن هذا الحل السياسي التوافقي يتجاوز مفهوم الغالب والمغلوب، وصيغة هذا الحل هو بقاء الصحراء تحت السيادة المغربية لكن في نطاق نوع من الاستقلال الذاتي وقائم على الوحدة الوطنية والمشروعية الدولية واحترام خصوصيات المنطقة وفي إطار جهوية موسعة. لكن في حالة تذليل كافة الصعاب ودخول هذا الاتفاق إلى حيز التطبيق هل يعني ذلك أن مقتضياته المتعلقة بالاستقلال الذاتي ستبقى مقتصرة على هذه الجهة التي ستشكل نظاما خاصا بالمقارنة مع باقي الجهات، أم أن الأمر يستدعي تعميق الجهوية وتعميمها بنفس الكيفية، الأمر الذي يتطلب مراجعة دستورية خاصة فيما يتعلق باختصاصات الجهات؟ إن الديبلوماسية المغربية أمام خيارين: 1- تمتيع منطقة النزاع بنظام خاص: إن الحل السياسي لقضية الصحراء لا يمكن أن يكون إلا نهائيا ولهذا السبب لا تستطيع المملكة المغربية أن توافق على فترة انتقالية يطبعها عدم اليقين بشأن الوضع النهائي للإقليم. إن هذا الحكم الذاتي النهائي يتمثل في إقامة جهوية خاصة بالمنطقة المتنازع حولها، كاستثناء على المجال الترابي الوطني، كما هو الحال بالنسبة إلى إسبانيا، حيث نجد هناك ما يسمى بـ" المجموعات المستقلة" التي تتمتع باختصاصات تشريعية وتنفيذية في الميادين المحددة دستوريا. ومن هذا المنطلق يستدعي تطبيق هذا الخيار إجراء تعديل دستوري يمنح الجهة موضوع الخلاف حكما ذاتيا خاصا بها، بمعنى أن المناطق الصحراوية ستتمتع باستقلال ذاتي، يفوق نظام اللامركزية المعمول بها حاليا والتي تتوفر فيها الجهة على مواردها التي تمكنها من ممارسة اختصاصاتها المحددة من قبل السلطة المركزية. وتبعا لذلك فإن تطبيق الحكم الذاتي على جهة الصحراء يقتضي منح سكان الأقاليم الصحراوية صلاحيات واختصاصات واسعة في الميادين التشريعية والتنفيذية والقضائية لتدبير شؤونهم المحلية آخذا بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة طبعا في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة واحترام مبادئ الديموقراطية واللامركزية. إن هذا الحل لا يمكن أن يكون إلا في إطار بناء الديموقراطية بالمغرب وبناء الجهة وفتح المجال لأبناء الأقاليم الصحراوية للمبادرة الحرة والمشاركة في استغلال خيرات جهتهم اقتصاديا واجتماعيا و خدماتيا، وكذلك على مستوى المؤسسات المنتخبة، وكذا تضامن المجمع المدني بهدف إدماج المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وبوثيرة موازنة. إن الاستقلال الذاتي يجب أن يشكل وضعا نهائيا وليس حلقة تؤدي إلى انفصال هذا الإقليم، داخل هذا الإطار يبقى المغرب منفتحا على كافة المقترحات التي تستلهم التجارب المتنوعة الممارسة في العالم، وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجيوسياسية للمنطقة. نخلص إلى القول بأن تمتيع منطقة الصحراء بنظام خاص، إذا كان سيؤدي إلى إنهاء النزاع لكنه قد سيشكل قاعدة دستورية بمكن أن توظف لتأسيس خطاب احتجاجي على الدولة والمطالبة بوضع قانوني من ذات القبيل خصوصا في المناطق الأمازيغية التي تشكو تاريخيا من اللاتنمية الاقتصادية والاجتماعية ووجود سوابق تاريخية تصعب من التقارب بين المركز والمحيط، كما أن هذا السيناريو يفترض نظاما أساسيا ووضعا مستقلا داخل الوثيقة الدستورية وفلسفة جديدة للصك الدستوري المغربي، فلا يمكن والحالة هذه أن يتعايش داخل النص الدستوري منطقين متباينين يتأسسان على التعددية والاجتماعية، فالنص الدستوري المغربي قد اشتغل وفق ثابت الاجماعية، وانغلاق النسق الدستوري بالرغم من الترميمات المتتالية وظيفتي الضبط والتنظيم مما يجعل من الفكرة السياسية لدستور 1996، تظهر كعائق أمام انفتاح الدولة على البنيات تحت دولية. 2- الانتقال إلى دولة الجهات (الدولة الجهوية): على إثر التطورات التي عرفتها كل من قضية الصحراء والمسألة الديموقراطية، هل يمكن تأسيس رابط بين هذين المعطيين؟ وهل يمكن القول بأن الديموقراطية المحلية في معناها الواسع أي في إطار الحكم الذاتي سيهب ريحها من الجنوب؟ إن مسألة الاستقلال الذاتي والجهوية هي فكرة سبق لأحد برلمانيي الحزب الشعبي الإسباني السيد Javier Ruperz أن دافع عنها، لنقول إن أمكن أن قضية الصحراء مثلث أو حلت محل المشروع المجتمعي الذي كان الدولة المغربية في حاجة ماسة إليه لتعبئة الشعب المغربي من أجل تجديد الشرعية والحماسة الوطنية وربطها بنوع من الانفراج السياسي لضمان حد أدنى من السلم والاستقرار السياسي والاجتماعي لا سيما إذا تم مزج تطور المسألة الديموقراطية الراهنة بتطور قضية الصحراء، وتلاقحهما، وانفتاح النظام السياسي عن طريق تحديث بنياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومن م المرور إلى الدولة الجهوية، ومن المؤكد أن السمو بالديموقراطية المحلية وباللامركزية نحو الرقي، سيساعد المغرب على مواجهة الطوفان العولمة والمحافظة على هويتنا وعلى وحدتنا الترابية. وإذا كان الأمل هو أن تطبع جهات المغرب كلها بطابع خصوصيتها دون أن يمس ذلك بالالتحام والوحدة، والبداية بالأقاليم الصحراوية، وجعل منها جهة وإعطائها الأولوية على أخواتها بالمغرب وستتلوها جهات أخرى، فأن ذلك يدل على أن ربط الصحراء بالجهوية مسألة أخذ حيزا هاما في الفكر الحسني، وذلك لترابطها بمسألة السيادة، والوحدة الوطنية، وأضحى لذلك أحد أبعاد النظام الجهوي هو حل القضية الوطنية في إطار توسيع اللامركزية، بتمكين السكان المحليين من بناء جهتهم والمشاركة في القرارات السياسية على الصعيد المحلي والوطني. إن الحكم الذاتي تحت السيادة الكاملة والوحدة الترابية للمغرب وفي إطار جهوي موسع جعل مسألة الجهوية مطلبا وطنيا استعجاليا، بهدف إعطاء الجهات هامشا أوسع في التسيير الذاتي والتخلص من المركزية الضيقة. إن الانتقال إلى دولة الجهات يعني إقامة مجموعة من الجهات تتمتع باستقلالية عن المركز في بعض المجالات المحددة، أو تلك المفوضة لها من قبل السلطة المركزية، وفي هذه الحالة يستدعي الأمر إجراء تعديل دستوري للارتقاء بنظام الجهة في مستوى متقدم من اللامركزية في إطار الدولة الموحدة، بمعنى الانتقال من الجهوية الإدارية المعمول بها في المغرب إلى الجهوية السياسية المحددة دستوريا. إن تطبيق الدولة الجهوية يستدعي إعادة النظر في وظيفة المؤسسات المحلية وأساس تشكيل المؤسسات الوطنية التي ستصبح ذات أساس ترابي جهوي إضافة إلى ضرورة رسم حدود للاختصاص بين المستويين وطبيعة نازلات المركز والجانب الموكول له مهام الدفاع والخارجية، إنه منطق ينظر إلى الصحراء باعتبارها وحدة رابية منزوع عنها طابع الخصوصية قياسا إلى الوحدات الجهوية الأخرى. إن خيار الجهوية ليس خيارا تقنيا ولا تعديلا بإمكانه أن يمس مستوى محدودا داخل البنية الدستورية، بل يمتد ليشمل رأس التنظيم السياسي، سؤال فصل السلط، أساس التمثيل السياسي وشكل الدولة، وهي أبعاد لا يمكن لتعديل دستوري محدود أن يجيب عنها. إن القدرة الاحتوائية لسياسة التعديل الدستوري لسنوات 92-95-96 لا يمكن أن يعاد إنتاجها، فالأمر هنا لا يتعلق بالبحث عن التوافق مع أحزاب المعارضة، ولا إلى امتصاص الحركات الاحتجاجية الحقوقية. وإذا كان هناك تخوف من إقرار جهوية سياسية يمكن أن تتسبب في ظهور نزعات انفصالية داخل البلاد، فإن هذا التخوف لا مبررله، مادامت الجهات مرتبطة بملك البلاد، وكما قال الملك الراحل الحسن الثاني:"يمكن أن نسير في اللامركزية إلى أبعد الحدود ما دمنا ممسكين برابطة البيعة." وكان رحمه الله يمنى أن يترك لخلفه مغربا مبنيا على شاكلة المقاطعات الألمانية المسماة " اللاندر". • بعض التجارب الدولية في مجال الاستقلال الذاتي: أ?- النموذج الإيطالي: ترتكز إيطاليا حاليا من حيث التنظيم المحلي على ثلاث مستويات، الجماعات، ثم الأقاليم، ثم الجهات، مع فارق على مستوى القوة،إذ الإقليم يظل ضعيفا في مواجهة قوة الجهة والجماعات المحلية. فالدستور الإيطالي لسنة 1948 أتى موفقا بين اتجاهين: تجاه يدعو إلى استقلال ذاتي واسع والآخر يطالب باستقلال ضيق وعلى هذا الأساس جاءت المادة الخامسة من الدستور لتعلن مبدأ وحدة الجمهورية وعدم تجزئتها من جهة، وتشجيعها للاستقلال الذاتي واللامركزية من جهة أخرى. ومما لا شك فيه أن نظام المناطق السياسية في إيطاليا ليس صورة من صور اللامركزية الإدارية فالوحدات المحلية اللامركزية في نظام اللامركزية، وإن كانت تمتع بالاستقلال في إدارة شؤونها الذاتية ضمن نطاقها المحلي في حدود الصلاحيات المحددة لها في القانون، إلا أن طبيعة هذه الصلاحيات وطريقة صلاحياتها في الشؤون الإدارية تتجاوز صلاحيات نظام المناطق الإداري لتتناول سلطة التشريع أي سلطة إصدار قواعد قانونية تتعلق بالإقليم الذي تقوم فيه، وهذه السلطة هي التي تعطي الاستقلال الذي تمتع به المناطق ذات الطابع السياسي وهي التي تميزها من حيث الجوهر عن الوحدات اللامركزية في الدولة الموحدة، وتجعلها قريبة في وضعها القانوني من الدولة الاتحادية. و لكن هل يعني ذلك أن نظام المناطق في إيطاليا يحقق اللامركزية السياسية أو شكلا من أشكال الفيدرالية؟ إذا عدنا لنصوص الدستور وجدنا أن المادة الخامسة منه تنص على ما يلي: "الجمهورية واحدة لا تتجزأ، تعترف وتشجع الاستقلال الذاتي المحلي، وحق بالنسبة للمصالح التابعة للدولة أوسع مدى من اللامركزية الإدارية وتكييف مبادىء ومناهج تشريعاتها مع ضرورات الاستقلال الذاتي واللامركزي." فالدولة الإيطالية هي إذن بنص الدستور دولة بسيطة وموحدة وليست مركبة أو فيدرالية، وقد أرسى الدستور قواعد الدولة التنظيمية على نوعين من الوحدات، وحدات ذات نظام عادي تتمتع باللامركزية الإدارية، ووحدات ذات نظام خاص تتمتع بالاستقلال الذاتي. والوحدات الأولى لا تثير أي إشكال قانوني، فهي وحدات إدارية لا مركزية ضمن تنظيم إداري لا مركزي تقليدي.أما الثانية، فلم يعطها الدستور أي وصف قانوني، وهي ليست أكثر من وحدات محلية تمتع بنوع من الحكم الذاتي حسب نص الدستور. وفي ضوء ذلك يمكن القول، اعتمادا على نص الدستور، أن هذه الوحدات وإن كانت وحدات لا مركزية، فإنها تتجاوز نطاق اللامركزية الإدارية، ولكنها لا تصل إلى حد اللامركزية السياسية، ولا تعرض قانون ووحدة الدولة للتجزئة، ولا تغير من شكل الدولة البسيط، وكل ما في الأمر أنها وحدات أوجدها الدستور بأنظمة قانونية خاصة لتميزها عن سائر أقاليم الدولة ومراعاة لأوضاعها وظروفها الخاصة. ب?- النموذج الإسباني:"المجموعات المستقلة": يصف الفقه الإسباني الدولة الإسبانية بأنها دولة المجموعات المستقلة، فإسبانيا من الدول الديموقراطية التي تأخذ بالنظام الملكي، تعرف نمطا فريدا في ميدان التنظيم الجهوي، وسبب ذلك طغيان النزعة الانفصالية على بعض الجهات وكذلك التفاوت الصارخ بين الجهات الشمالية والجنوبية خاصة المناطق الأندلسية منها. يستعمل النظام السياسي الإداري الإسباني تقنيتين مختلفتين لإدارة عجلة الحكم والإدارة، فمن جهة، هناك ميكانزمات اللامركزية التي تأخذ بها الدول الفيدرالية ، ومن جهة ثانية، هناك ميكانزمات الجهوية، وهذا ما جعل البعض يصف النظام الإسباني في منتصف الطريق بين الجهوية والفيدرالية. ورغم اختلاف المحللين والسياسيين في تحديد نوعية النموذج الجهوي الإسباني، فإن دستور 1978 استطاع أن يجعل من إسبانيا دولة المجموعات المستقلة فعلا، وذلك بتقليصه لنظام المركزية الشديدة وبالتالي إحداث 17 مركزا جديدا للسلطة وللإدارة والتسيير، لقد راعى الدستور بذلك وحدة الدولة من جهة والفروقات القومية وضرورة منح الأقليات بعضا من الاستقلال الذاتي. وتجدر الإشارة إلى أن قيام المجموعات المستقلة بإسبانيا يعتبر حقا دستوريا في مادته الثانية، حيث يعرف المشرع ويضمن الحق في الاستقلال الذاتي بالنسبة للقوميات والجهات التي تتكون منها الدولة الإسبانية، مع السهر على رعاية التضامن والتساند فيما بينها، وذلك بعد أن تأكد بوضوح أن وحدة الأمة الإسبانية لا تقبل أية تجزئة في وطن يشترك لكل الإسبان. إن المجموعة المستقلة وهي جماعة إقليمية في مستوى إقليمي في إسبانيا، أنشأها الدستور الإسباني بكيفيات وصف أحيانا بتعبير" استقلالية حسب الطلب" لا يحدد الدستور مسبقا هوية المجموعات ولا عددها، وقد تمت متابعة مسار إنشاء المجموعات المستقلة لسنوات عديدة حتى عام 1983.كان مجمل الإقليم الإسباني في ذلك التاريخ منقسما إلى 17 مجموعة مستقلة. وإلى جانب مجموعات تاريخية في أقاليم ذات هوية ثقافية شديدة( بلاد الباسك، كاتالونيا، غاليس) أنشئت مجموعة أخرى بناء على مبادرة الحكومة المركزية وٌليم بعض المجموعات المستقلة، مقاطعة واحدة(مورسيا، كانتابريا) وأخرى تضم مقاطعات عديدة (الأندلس وكاستيليو مثلا). إن نظام المجموعات المستقلة تتميز من الناحية القانونية ومن ناحية الشكل بوضع خاص، فهو يختلف عن أنظمة الحكم المحلي في سائر البلاد التي تأخذ بهذه الأنظمة من حيث أنه لا ينص على المبادئ والقواعد التي ترعي أحكامه، وبالتالي فهو لا يصدر بقانون دستوري كما هو الشأن في دساتير الدول الفيدرالية. والمجموعات المستقلة هي التي تضع النظام ويكتفي البرلمان بالتصديق عليه، وهو لايصدر بقانون عادي لأن البرلمان المركزي( الكورتيس) لا يضع نظام المنطقة(الجماعة) دون موافقتها. وقد أناط الدستور الإسباني المجموعات المستقلة بمجالس محلية تولى مباشرة الاختصاصات التي تعود إليها، ومن أهم هذه الأجهزة نذكر: البرلمان الجهوي، الحكومة الجهوية، رئيس الحكومة الجهوية، مجلس أعلى للقضاء الجهوي. وبالرجوع إلى بنود الدستور نجد أن هناك تقسيم لهذه الاختصاصات بين الدولة والمجموعات المستقلة، وذلك وفق المادة 148 التي خصصت للمجموعات المستقلة، والمادة 149 التي خصصت لاختصاصات الدولة. إن الأوطونوميا في إسبانيا لم تكن حاجة ديموقراطية بقدر ماكان وسيلة لإقامة توازنات وتوافقات سياسية، إن الإنتقال الديموقراطي في إسبانيا حقق جل أهدافه، إذ حسم علاقة الدولة بالكنيسة والجيش، إلا أن هذا الانتقال لن يكتمل إلا بإصلاح دستوري يعمل على حل مسألة الجهوية عبر مراجعة دستور 1978 . خلا صـة: خلاصة القول أن قضية الصحراء تندرج بالنسبة للشعب المغربي، في إطار استكمال وحدته الترابية والحفاظ على وحدته الوطنية، كما أن الاقتراح الشجاع والمسؤول المتعلق بالحكم الذاتي في ظل احترام السيادة الوطنية يندرج تماما ضمن مفهوم تقرير المصير، باعتباره طريقة مفضلة لممارسة ساكنة معينة لحقوقها الفردية والجماعية. ويبقى المغرب مستعدا للتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة ومع ممثله الخاص للتوصل إلى حل سياسي عادل ومقبول من جميع الأطراف، حل يمكن سكان المخيمات من الالتحاق بذويهم ويمكن دول المغرب العربي من تحقيق الوحدة والتضامن.
vendredi 22 août 2008
قضية الصحراء المغربية ومفهوم الحكم الذات
Publié par منظمة شباب الطوارق من اجل العدالة والتنمية
Libellés : محمد بوبوش-باحث في العلاقات الدولية-جامعة محمد الخامس- الرباط- المغرب