jeudi 21 août 2008

تومبكتو:مركزاً تجارياً وثقافياً عربياً إسلامياً

مدينة تأسست قبل 1000 عام شكلت على مدى قرون مركزاً تجارياً وثقافياً عربياً إسلامياً في الغرب الأفريقي، لكن هذا الحضور اليوم تراجع لحساب ثقافات أخرى، أنا الهادي الحناشي أرافقكم في مهمة خاصة من تومبكتو نتعرف خلالها على واقع هذه المدينة التي تعيش حاضرها بثوب التاريخ. تتمدد دروب الصحاري أمامنا بلا نهاية، وكأن البعيد هناك عصي المنال، هنا بعيداً عن الساحل الأفريقي قريباً من أساطير الأولين وعلى طريقة القصاصين مقتفي الآثار القدامى نمضي للبحث عن مدينة تحتمي برمال الصحراء، المسافات هنا لا تنتهي لا تحتسب بالكيلومترات ولا بالأميال ولا حتى بالفراسخ، هي الأيام وحدها التي تتحدد بها المسافة بين باماكو عاصمة مالي وتومبكتو جوهرة الصحراء مقصدنا اليوم في زمن الدفع الرباعي أرضاً والطائرات جواً، ومع ذلك فالرحلة غير الرحلة، المسافر الرحال يمكنه عبر هذه الطرق الأفريقية التي لا تشبه سوى الطرقات الأفريقية أن يتخيل وله المجال والوقت الكافيان للوقوف على جهد ومعاناة السابقين وهم يشقون في قوافل هذه الطرقات والمسالك بحثاً عن تومبكتو، قبل قرون وقرون وحينما كان للأدب شراة وفي العلم راغب كان الطالب العلمي والفقيه والعالم والتاجر يجوبوا هذه المسالك القاحلة بما تيسر لهم من زاد، غايته غايتنا اليوم "تومبكتو"، قرىً متناثرة من الزمن الغابر تقطع عليك الطريق بين الحين والآخر لتؤكد لك صواب مسارك، لتكون مرشداً لك في دروب الصحراء، انتهى اليوم الأول وحلّ الليل الأفريقي المشبع بسحر الصحراء وأيضاً بأساطيرها، لكن الطريق في منتصفه وكذا اليوم الثاني، يتمدد الطريق أيضاً وكأنه لا ينبئ بنهاية وشيكة، تتنوع التضاريس لتمنح الجغرافيا أبعاداً أخرى، مشاهد تتكرر ولكنها تتنوع لتعكس التنوع العرقي في جمهورية مالي، تستمر الرحلة شمالاً تحت وهج الصحراء، تغيب الدروب التي تحكم العزلة على تومبكتو تماماً كما لو أن وراء هذه التلال كنزاً ثميناً خبأه سلاطين الزمن الماضي، حل الليل من جديد لندخل مدينة الصالحين والقديسين كما يسميها أهلها، مدينة لها من القداسة والطمأنينة ما به تسكن نفوس قصادها، مسارٌ آخر واتجاه آخر لما بعد تومبكتو التي لم نرها ليلاً، للسكن كيلومترات قليلة في الصحراء لا تتعدى من الفراسخ العشرين فرسخاً وبالكيلومترات الثمانين لكنها مزيج من المشقة والمتعة والمخاوف التي لم تتبدد سوى باكتشاف ما غيّر من سكون الصحراء، مهرجان سنوي يقام في هذه التلال الرملية يقصده المئات من عشّاق الصحراء من مختلف أنحاء العالم، يطلع نهار جديد لتستقبلنا تومبكتو جوهرة الصحراء التي تتربع على الرمال موهل العلماء وعاصمة الإسلام في الغرب الأفريقي حاضنة العلم والعلماء، وقطب التجارة والصناعة منذ القرن الثالث عشر ميلادي وحتى بدايات القرن التاسع عشر.
النوري الأنصاري (باحث في تاريخ الطوارق): تعيش تومكبتو بواسطة الملثمين الذين يطلقون عليهم الآن التلتماشق أي الطوارق، وتأسست في حوالي 1080 - 1100 أي بمعنى في القرن الخامس الهجري الموافق في بداية القرن الحادي عشر، التسمية كان في حي الطوارق قريب من المطار، هذا الحي يأتون إليه الطوارق ضمن الصيف لأنهم يأتون من الشمال، ما في مياه جف ما في عشب النار يجف ويترك أماكن للرعي، ولما يأتي الخريف في شهر يوليو تكون الحيوانات مثل الجمل حاشاك الحمير الذئاب تحمل وسيلة النقل تحمل الأمتعة تكون ضعيفة فيذهبون بأشياء خفيفة الأشياء الثقيلة يتركونها، وهم لما تكون الحي هذا يحفرون آبار ارتوازية حوالي 5 متر 3 متر لأنه في مكان مثل المياه، المياه قريبة جداً نقولها بلغة الطوارق تيرسي يعني آبار صغيرة قريبة من المياه ممكن حتى الإنسان يستطيع أن يغرف يعني مكان تستطيع أن تغرف حتى قريب تدخل وتغرف، لكنهم يستخدموا أحياناً الدلو لأنه قريب على الأقل 3 أمتار 4 أمتار 5 أمتار..
الهادي الحناشي: الآن بالتأثير العربي الإسلامي على هذه..
النوري الأنصاري (باحث في تاريخ الطوارق): معك التسمية ما انتهيت منها، إذن لما يذهبون إلى الشمال عند بداية الخريف هناك لهم أمة يتركون عندها العفش الثقيل، كل الأمتعة الثقيلة تترك عندها وهذه الأمة بمرور الزمن كل من يأتي أيضاً يترك عندها الأشياء أشياء يذهب إلى السوق بعيدة ويذهب إلى المدينة الأشياء الثقيلة يتركونها عندها لأن الماء متوفر عندها، فمن هنا تماشق الأشياء الحفش يبكتو، وذات الأمتعة ذات الأشياء ذات الحفش لما نركب تن بكتو تأتي تومبكتو تأتي تينابوكتو.

عودة للأعلى

مدينة تاريخية أهلها حاضرون

الهادي الحناشي: هدوء وسكينة يلفان تومبكتو اليوم، الحياة هنا تسير ببطء شديد للوهلة الأولى يشعر الزائر كما لو أنه يطوف في أرجاء استديوهات سينمائية تم إعدادها بإحكام لتصوير أفلام تاريخية، لكنه سرعان ما يعدل عن هذا الشعور بمجرد مخالطة أهلها.
سالم ولد الحاج (نائب رئيس المدينة): لمن لا يعرف تومبكتو فهي مدينة تقع شمال جمهورية مالي على الحدود مع النيجر لعبت تومبكتو دوراً تاريخياً مهماً على المستوى الاقتصادي والفكري، تأسست في القرن الحادي عشر الميلادي على يد الطوارق، حكمتها قبائل الماندنغ منذ عام 1325 ميلادي والماندنغ قبائل أفريقية من جنوب مالي، ولكن بعد عام 1433 عاد الطوارق إلى الحكم إنها مدينة حكمت من قبل شعوب وقبائل مختلفة، فبعد قبائل الماندنغ حكمها الصاريون وفي عام 1591 حكمها المغاربة، وبعد ذلك حكمها الأرمان لغاية عام 1826 أما بعد الأرمان حكمتها قبائل ماسينا وبعدهم جماعة الحاج عمر، ثم عاد الطوارق لحكم مدينة تومبكتو من جديد، ثم جاء الفرنسيون ليحكموها من عام 1893 ولغاية عام 1960، هذا عرض مختصر للشعوب والقبائل الذين حكموا مدينة تومبكتو فشعبها الحالي هو خليط من كل هذه الشعوب والقبائل.
الهادي الحناشي: تحاول تومبكتو اليوم النهوض من سبات سنوات العزلة الطويلة، بعد أن غيرت القوافل العربية والإسلامية طرقها إلا أن التومبكتويين المتعبين بعروبة الأمجاد الماضية والمرهقين بتراث الأجداد الخالد لم ينحنوا أمام هذه العزلة، هذه العزلة التي عمقها الواقع السياسي والجغرافي الذي فرضته التقسيمات الاستعمارية للصحراء الأفريقية، وكأن ما حصل فصل للروح العربية عن الجسد الأفريقي، ففي هذه الديار إصرارٌ كبيرٌ على حماية ما تبقى من موروث ثقافي وحضاري يعود للقرون الغابرة.
د. محمد كلاديكو (مدير مركز أحمد بابا التمبكتي): تأسس معهد أحمد بابا على يد حكومة مالي واليونيسكو، مهمة المعهد هي جمع وحفظ المخطوطات القديمة والاستفادة منها لحد الآن لقد تم تجميع ما يقارب 30 ألف مخطوطة تتناول كل مجالات العلم على سبيل المثال التاريخ والأدب وخاصة العلوم الإسلامية وتركيبات الأدوية بالإضافة إلى رسائل تاريخية مهمة.
الهادي الحناشي: يحمل هذا المركز اسم أحد أشهر علماء تومبكتو ومثقفها في القرن السادس عشر ميلادي، وما يضمه في خزائنه ليس كل ما تختزنه تومبكتو، ففي المدينة تتوزع جواهر الكتب والنفائس عبر مكتبات خاصة.
إبراهيم حيدرة (صاحب مكتبة مما حيدرة): في تومبكتو أكثر من 20 مكتبة مكتبات خاصة في العائلات، ومن ضمن هذه المكتبات 7 مكتبات مشتغلة يعني مفتوحة يعني مش لهذا في تومبكتو الآن، وفي هذه المكتبة 9 آلاف مخطوطة من جميع أنواع المخطوطات، وتقدر مخطوطات تومبكتو وما حولها بمليون مخطوطة حالياً.
[فاصل إعلاني]

عودة للأعلى

سر الصحراء وسحره

الهادي الحناشي: نغادر تومبكتو في اتجاه الصحراء من جديد بحثاً عن سر من أسرارها، فللصحراء سحر وسر أبدي تمتزج خيوطه بالأساطير، مقصدنا هذه المرة إحدى قرى الطوارق، الطوارق المعجونون بأنساب العرب والبربر حتى انتهت نسبتهم تسمر نبتهم في الصحراء كنبتها فصاغوا لها لغزاً تتردد طلاسمه من جيل إلى جيل، هم فرسان الصحراء ورجالاتها ممن اختاروا الأفق حدوداً لهم، برعوا في مسالكها على مر العصور فكانوا المقاتلين الشرفاء المدافعين عنها، المثير هنا أن الطوارق هو الاسم الذي يطلقه الجميع في العالم على هؤلاء الناس باستثناء الطوارق أنفسهم.
النوري الأنصاري (باحث في تاريخ الطوارق): هم تل - تماشك والكلمة متركبة من كلمتين تل شرطة تماشق، تل أصحاب تماشق لغة أصحاب لغة تماشق أو أهل لغة تماشق، والمصطلح الطوارق عندما تريد تقول لغة الطوارق غير سليم لأن لما نقول مثلاً العرب لغتهم العربية الفرنسيون تجد أن اللغة موجودة في المصطلح الإنجليزيون الإنجليزي إذاً جينا نقول الطوارق أين لغتهم؟ إذاً لازم.
الهادي الحناشي: لازم نصحح التسمية هي تل تماشق.
النوري الأنصاري (باحث في تاريخ الطوارق): هي التسمية الصحيحة تل تماشق.
الهادي الحناشي: إذاً الشعب..
النوري الأنصاري (باحث في تاريخ الطوارق): الشعب شعب تل تماشق إذاً لازم أيضاً نصحح نأتي كلمة كيف أتت كلمة الطوارق، الطوارق أطلقوها العرب في قديم الزمان في زمن تجارة القوافل بين الضفة الشمالية والجنوبية للصحراء الكبرى، وأيضاً من المناطق التي تأتي من الشرق من مصر إلى مثل تومبكتو إلى مناطق الجنوبية للصحراء الكبرى، فهو الطوارق كان هم الذين يقودون القوافل، والقافلة التجارية المحملة للبضائع سواء من الجنوب أو من الشمال لا تسير إلا في الليل، إذاً هم لا يطرقون لا يمشون إلا في الليل إذاً هم أول من طرق أبواب الصحراء، ويمشون إذن في الليل، وفي آية قرآنية بتقول "والسماء والطارق" على النجم السير النجم أيضاً بالنسبة للطوارق يسيرون في الليل إذاً طوارق يعني يسيرون في الليل لأن القوافل لا تسير في النهار.
الهادي الحناشي: هكذا هي حياتهم إذاً، محك يصنع الطارقي عليه معتاداً على خشونة الحياة وجفافها فعنده ما هو أثمن من التضحية إنها حريته التي لا يقدرها بحطام المدنية، فقد تشتت شملهم وتوزعوا عبر الجغرافيا، ولم تتبقَ لهم غير الصحراء والجمال يشكون لها حالهم، بعيداً عن الأساطير عددهم اليوم نحو 4 ملايين، يوحدهم الانتماء والصحراء وتفرق بينهم الدول والحدود، فمنهم من جنحت به الرحلة إلى ليبيا وبعضهم الآخر في الجزائر وآخرون في مالي والنيجر وبوركينفاسو.
إبراهيم عبد الله (شيخ القبيلة): نتبع الحيوانات في مسارها فهي بدورها تذهب إلى الأماكن التي توجد فيها مراعي، فإذا نحن ننتقل حسب وجود المراعي لكن كانت هناك سنوات جفاف اختفت فيها الأمطار وكانت هناك عواصف ورياح قوية أدت إلى تطاير البذور، البذور التي كانت تحت الرمال والتي كانت ستنبت مراعي فتوقعنا أن تصبح الأرض جرداء خالية من المراعي فجفاف الأرض وخلوها هذا السبب الذي دفعنا للحصول على حيوانات أكثر، ولكن غالباً ما نحصل على القليل منها، كل ما نتمناه هو أن تتوفر مراعي غنية بالأعشاب.
الهادي الحناشي: للطوارق تقدير خاص للمرأة، فهي ذات منزلة قل أن يمنحها لها مجتمع آخر، وهي المحرك والدافع للدفاع عن القبيلة حينما تدق طبول الحرب، ولهم أيضاً فنونهم التي تنطلق من الأسطورة لترتد إليها كل ما جنح الطارقي إلى السكينة، لكن فرسان الصحراء وطراقها لم يتسنَ لهم العيش بسلام في صحرائهم فبين قسوة الصحراء وجور الحكام تتوزع مشكلاتهم وتتعاظم في ظل تناسٍ عربي إسلامي واهتمام دولي غربي، فقط كلمة أخيرة لمن نسي تومبكتو أو تجاهلها هي اليوم تنحني عند منعطف لنهر النيجر شمال مالي، بعدما كان النهر ينحني عليها لسنوات، وهي اليوم تبحث عمن يعيد لها أياماً كان فيها للأدب شراة وفي العلم راغب.

عودة للأعلى

 

blogger templates | Make Money Online